276- روى سفيان الثوريُّ ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء الرحبيِّ ، عن ثوبانَ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يَقْتتَلُ عندَ كَنْزِكم ثَلاثةٌ ، كلُّهم ابنُ خليفةٍ ، ثمَّ لا يَصيرُ إلى واحدٍ مِنْهم ، ثمَّ تطلُعُ الرَّاياتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ المشرقِ ، فيقتلونكم قتلاً لم يُقْتَله قومٌ )) ثمَّ ذكرَ شيئاً لا أحفظُهُ ، فقال : (( فإذا رأيْتُمُوه فبايعُوهُ ولو حَبْواً على الثَّلْجِ ، فإنَّه خليفةُ اللهِ المهديُّ )) (1).
أخرجه : ابن ماجه (4084) عن محمد بن يحيى ، وأحمد بن يوسف .
وأخرجه : البيهقي في " دلائل النبوة " 6/515 من طريق إبراهيم بن سويد الشبامي .
وأخرجه : البيهقيُّ في " دلائل النبوة " 6/515 ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " 34/194 من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب .
وأخرجه : البيهقيُّ في " دلائل النبوة " 6/515 من طريق محمد بن مسعود .
خمستهم : ( محمد بن يحيى ، وأحمد بن يوسف ، وإبراهيم بن سويد ، ويعقوب بن حميد ابن كاسب ، ومحمد بن مسعود ) عن عبد الرزاق بن همّام الصنعانيِّ ، عن سفيان الثوريِّ بالإسناد أعلاه .
وخالفهم أحمد بن منصور الرماديُّ عند أبي عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (548) فرواه عن عبد الرزاق ، قال : حدثنا سفيان الثوريُّ ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن ثوبان ، به . لم يذكر فيه أبا أسماء الرحبيَّ . والصواب ذكره في الإسناد ؛ لاتفاق أكثر من راوٍ عن عبد الرزاق على ذكره ، كما أنَّ عبد الرزاق توبع على روايته، تابعه الحسين بن حفص (2).
إذ أخرجه : الحاكم 4/463 من طريقه عن سفيان ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء الرحبيِّ ، عن ثوبان رضي الله عنه ، فذكره .
هذا إسناد رجاله ثقات ، وقد صحح إسناده صاحب كتاب " المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة " الدكتور عبد العليم البستوي إذ قال : 191-192 : (( وأما عنعنة أبي قلابة وسفيان الثوري وهما من المدلسين ، فلا تضر في صحة الإسناد أيضاً ؛ لأنَّ المدلسين ليس كلهم على حد سواء عند المحققين ، وقد رتبهم الحافظ ابن حجر في كتابه " طبقات المدلسين " على خمس مراتب منها : الأولى : من لم يوصف بذلك إلا نادراً ، والثانية : من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح ؛ لإمامته وقلة تدليسه 000 وذكر أبا قلابة في المرتبة الأولى ، وسفيان الثوري في المرتبة الثانية ، وذكر عن البخاريِّ أنَّه قال في سفيان : ما أقل تدليسه ، وبناءً على هذا فعنعنتهما لا تضر . قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي (3)أيضاً . وقال ابن كثير : تفرد به ابن ماجه . وهذا إسناد قويٌّ صحيح(4) . وقال البوصيري في "الزوائد"(5): هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات . النتيجة : إسناده صحيح )) .
ومن جانب آخر فقد ضعّف العلامة الألباني الحديث في " السلسلة الضعيفة " 1/119 (85) واستنكره بسبب عنعنة أبي قلابة ، واستنكر فيه لفظة : (( خليفة الله المهدي )) وذكر كلاماً قيّماً عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رد هذه اللفظة فَلْيُنْظَرْ .
في حين غالى صاحب كتاب " المهدي المنتظر في روايات أهل السنة والشيعة الإمامية " الدكتور عَدَاب محمود الحَمش في تضعيف الإسناد إذ قال : 318 : (( سفيان الثوريُّ ، وخالد الحذاء ، وأبو قلابة الجرمي ثلاثتهم مدلسون ، ولم يرد هذا الحديث من طرقهم إلا بالعنعنة ، ولو كان في الإسناد واحد من هؤلاء الثلاثة وقد دلّس حديثه ، لما جاز لنا الاحتجاج به ! )) .
قلت : وذكر بعد ذلك كلام الدكتور البستوي المتقدم ورَدَّ عليه ، فقال : (( إنَّ سفيان الثوري من أشد الناس تدليساً كما يقول الحافظ ابن حبان ، وقد كان يمكن التساهل في مسألة تدليسه – جدلاً – في غير مسألة اعتقادية يعلق عليها الأكثرون آمالاً ، هذا من جهة . ومن جهة أخرى لا ينبغي التساهل أيضاً ؛ لأنَّ سفيان الثوريَّ ممن يروي عن علي ابن زيد بن جدعان ، وهو ضعيف صاحب مناكير ، وهو من رواة هذا الحديث بعينه ، وما يدرينا أنَّ هذا الحديث من رواية الثوريِّ ، عن علي بن زيد ، فدلّسه فجعله بالعنعنة ، عن خالد الحذاء ؟ وترتيب طبقات المدلسين عند ابن حجر ترتيب نظريٌّ ، لا يصلح لعدّه قاعدةً مطّردة ، حيث إنَّ الحافظ نفسه لم يُطرِّدها في مواطن عديدة ، وذكر في شأن أبي قلابة عدداً منها )) .
وذكر بعد ذلك أنَّ البخاريَّ ومسلماً لم يخرجا رواية سفيان الثوريِّ ، عن خالد الحذاء ، فقال : (( وهذا يعني أنَّهما لم يخرجا بهذا الإسناد حديثاً قط ، إلا رواية واحدةً توبع عليها خالد ، فأخرجها مسلم وحده دون البخاريِّ ، والذين يفقهون علم الجرح والتعديل هم وحدهم الذين يدركون ما يعنيه هذا الكلام ، فيما يخص شرط البخاريِّ ومسلم في تحقق اللقاء أو الاكتفاء بالمعاصرة ، وفي التطبيق العملي لقضايا الإرسال الخفي والتدليس 00 نعم ، هم أخرجوا لهم بكيفيات مخصوصة ، يجب أنْ تكون أمامنا عند التخريج والنقد ، لا مطلقاً ! وقد أشار الحافظ في " الفتح " إلى أحاديث عديدة من رواية أبي قلابة أعلَّها بالتدليس والإرسال واضطراب الحفظ )) .
قلت : ثم ذكر موضعين فيهما كلام لابن حجر عن رواية أبي قلابة ، وهذا هو الموضع الثاني منهما ، قال : (( قال في موضع ثانٍ : ذكر المصنف – يعني : البخاري – حديث أنس في قصة العرنيين ، أورده من طريق الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعيِّ ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة ، مصرحاً فيه بالتحديث في جميعه فأمن فيه من التدليس والتسوية ))(6) .
قلت : وقال بعد نقل هذا الكلام عن ابن حجر : (( هذه النصوص جميعها تؤكد على نقطتين اثنتين : الأولى : أنَّ التوثيق العام شيءٌ ، والتطبيق العمليُّ الذي يخص كلَّ حديث شيءٌ آخر ، فلا يجوز الخلط بينهما ، وعلى الباحث أنْ يتفطن لهذا جيداً . والثانية : أنَّ الراوي نفسهُ ليس قالباً معدنياً ، كل ما يصدر عنه من الأحاديث في مرتبة واحدة من الدقة والإتقان ... )) .
وقال أخيراً : (( وبعد هذا يمكننا القول بأنَّ هذا الحديث ضعيف ؛ لاشتراك ثلاثة ممن وصفوا بالإرسال والتدليس في رواية بعضهم عن بعض له ، دون التصريح بالسّماع ، والله تعالى أعلم )) انتهى كلامه .
قلت : قد بالغ الدكتور عداب محمود الحمش في تضعيف سند الحديث أيَّما مبالغة ، وكان سبب تضعيفه للسند هو عنعنة سفيان ، وخالد الحذاء ، وأبي قلابة الجرمي ، وثلاثتهم يمكن الرد على شبهة ضعف روايتهم بسبب تدليسهم . أما أبو قلابة فقد ذكر الذهبي في " ميزان الاعتدال " 2/426 (4334) أنَّه يدلس ، فقال : (( ثقةٌ في نفسه ، إلا أنَّه يدلس عمن لحقهم ، وعمن لم يلحقهم . وكان له صحف يحدث منها ويدلس )) . وقال ابن حجر في " طبقات المدلسين " : 21 (15) : (( وصفه بذلك – أي بالتدليس – الذهبيُّ ، والعلائيُّ )) . إلا أنَّ أبا حاتم الرازيَّ قال في " الجرح والتعديل " لابنه 5/68 (268) : (( أبو قلابة لا يعرف له تدليس )) .
قلت : لم أقف على أحد وصفه بالتدليس من المتقدمين ، بل على العكس فإنَّ أبا حاتم صرح بعدم معرفته التدليس عنه كما تقدم ، ولم يصفه بالتدليس إلا الذهبيُّ والعلائيُّ فيما وقفت عليه من كلام العلماء ، وإنَّما ذهبا إلى ذلك ؛ لأنَّه كان يحدّث عن بعض من لم يلقهم بصيغة محتملة ، لذا قال الذهبيُّ : (( يدلس عمن لحقهم ، وعمن لم يلحقهم )).
أما أبو حاتم فإنَّه لا يصف أحداً بالتدليس ، إلا إذا حدّث ، عمن لقيه وسمع منه ، ما لم يسمعه منه بصيغة محتملة . أما إذا حدّث الراوي بصيغة محتملة عمن لم يلقه بل عاصره فقط فهذا عنده مرسل ولا يصف ذلك تدليساً ؛ لذا قال الحافظ ابن حجر في "التهذيب" 5/202 (3444) معلقاً على كلام أبي حاتم : (( وهذا مما يقوي من ذهب إلى اشتراط اللقاء في التدليس ، لا الاكتفاء بالمعاصرة )) .
إذن ، فأبو قلابة على مصطلح أبي حاتم في التدليس ، لم يعرف عنه التدليس ، أي أنَّه لا يعرف عنه أنَّه يحدث عمن سمعه ولقيه ما لم يسمع منه ، وبما أنَّ روايته هنا كانت عن أبي أسماء الرحبيِّ ، وقد حدث عنه في غير هذا الحديث مصرحاً عنه بسماع(7) . إذن فأبو قلابة قد لقي أبا أسماء وسمع منه ، لذا هو لا يدلس عنه ، إنَّما هو يرسل عمن لم يلقه ولم يسمع منه ، لذا فعنعنته عن أبي أسماء الرحبي تحمل على السماع . خصوصاً وإنَّ روايته عن أبي أسماء بصيغة العنعنة في " صحيح مسلم "(8).
أما ما ذكره الدكتور عداب محمود الحمش من أقوال الحافظ ابن حجر عن رواية أبي قلابة ، فإنَّ الموضع الأول منها ليس فيه من ذكر التدليس شيء ، أما الموضع الثاني فالذي فهمه الدكتور أنَّ الحافظ قصد بقوله : (( فأمن التدليس والتسوية )) أنَّه يقصد تدليس أبي قلابة وليس هو كذلك ؛ لأنَّ ما قصده الحافظ هو أنَّه أمن تدليس الوليد بن مسلم ، ومعلوم أنَّ الوليد بن مسلم كان يدلس تدليس التسوية .
أما خالد الحذاء فلم أقف على أحدٍ وصفه بالتدليس ، سوى أنَّ الحافظ ابن حجر ذكره في كتابه " طبقات المدلسين " 1/20 (10) وقال : (( أحد الأثبات المشهورين روى عن عراك بن مالك حديثاً سمعه من خالد بن أبي الصلت عنه في استقبال القبلة في البول )) .
فكيف يضعف حديثه بداعي التدليس ، بقول الحافظ هذا فقط ؟ !! بل إنَّ الدكتور قال : (( ولو كان في الإسناد واحد من هؤلاء الثلاثة – يعني : سفيان ، وخالد ، وأبا قلابة – وقد دلس حديثه لما جاز لنا الاحتجاج به ! )) .
أما سفيان الثوري ، فقد قال الدكتور عداب كلاماً عجيباً عنه ، إذ قال : (( سفيان الثوريُّ من أشد الناس تدليساً كما يقول الحافظ ابن حبان )) . ولا أدري من أين جاء بهذا النقل عن ابن حبان ؟ فلم أجد هذا القول في جميع كتب ابن حبان سواء أكانت المختصة بالتراجم أم بالرواية . كما أنَّ الدكتور عداباً لم يشر إلى مصدر معين ذكر فيه هذا الكلام لابن حبان فليتثبت . وبعد بحثي ونظري في مصادر ترجمة سفيان الثوري لم أجد أحداً وصفه بهذا الوصف ، إلا أني وجدت الحافظ أبا زرعة العراقي صاحب كتاب " المدلسين " : 52 (21) قال عن سفيان : (( مشهور بالتدليس )) ، ورجع الحافظ أبو زرعة نفسه ، فقال في كتابه " تحفة التحصيل " : 160 (328) : (( الإمام المشهور يدلس ، ولكن ليس بالكثير)) ثم ذكر له عدة أحاديث يحتج بها على سفيان الثوري في مسألة تدليسه ، ولم يذكر حديثنا هذا منها ، كما أنَّ جميع الأحاديث التي ذكرها ليس فيها حديثاً واحداً من رواية الثوري ، عن خالد الحذاء ، والثوريُّ مشهور بالرواية عن خالد حتى إنَّ روايته عنه في الصحيحين ، وأنا هنا لا أذكر ذلك كي أحتج بروايته عن خالد لأنَّها في الصحيحين ، بل للدلالة على مدى شهرة الرواية ، ولا أعتقد أنَّ مثل سفيان الثوري يدلسُ عمن اشتهر بالرواية عنه كخالد الحذاء .
أما قول الدكتور عداب : (( لأنًَّ سفيان الثوري ممن يروي عن علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف 000 الخ )) .
قلت : هذا كلام يحتاج إلى دليل ، فهل نضعف رواية راوٍ مثل سفيان الثوري بالظن والشبهة ؟ كما أنَّ كلامه هذا يقتضي أنْ يكون علي بن زيد قد روى الحديث عن خالد الحذاء ، حتى يدلسه سفيان الثوري ويذكر الرواية عن خالد الحذاء مباشرةً ، في حين إنَّ رواية علي بن زيد ، عن أبي قلابة كما سيأتي ذكرها .
وسفيان الثوري وصف بالتدليس ، ولكن البخاريَّ قال فيما نقله عنه ابن حجر في " طبقات المدلسين " : 32 (51) : (( ما أقل تدليسه )) ، وقال العلائي في " جامع التحصيل في أحكام المراسيل " : 186 (249) : (( تقدم أنَّه يدلس ، ولكنْ ليس بالكثير)) وكذا وصفه أبو زرعة العراقي في " تحفة التحصيل " كما تقدم .
وقال الدكتور عداب : (( ومما يحسن الإشارة إليه هنا تفريعاً على ما قال الحافظ : أنَ البخاريَّ ومسلماً خَرَّجا لخالد الحذاء روايات عديدة ، لكنَّهما معاً لم يخرجا له روايةً واحدة من حديث سفيان الثوري ، عن خالد ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان ... )) إلى آخر كلامه .
قلت : لا يشترط في تصحيح إسنادٍ من الأسانيد أنْ يكون البخاريُّ ومسلم قد أخرجا هذا الإسناد في صحيحيهما ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإنَّ كلا من الثوري ، وخالد الحذاء ، وأبي قلابة الجرمي قد اشتهر كل واحد منهما بالرواية عن الذي يليه ، والدكتور عداب قد أعل الحديث بعنعنة هؤلاء الرواة بحجة أنَّهم مدلسون ، وقد ناقشت فيما مضى من الصفحات صفة التدليس عند كل واحدٍ منهم ، وثبت أن تدليس الثوري قليل ونادر ، ولم يثبت التدليس على خالد الحذاء ، وأبي قلابة . فبذلك يكون سند الحديث ظاهر الصحة .
وللحديث طرق أخرى سأذكرها تباعاً .
فقد روي الحديث من طريق عبد الوهاب بن عطاء ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن ثوبان ، به موقوفاً .
أخرجه : نعيم بن حماد في " الفتن " (853) .
فخالف فيه عبد الوهاب سفيان الثوري فرواه موقوفاً ورواية سفيان مرفوعة واسقط من الإسناد أبا أسماء الرحبي . وهذه المخالفة لا تضر رواية سفيان ؛ لأنَّ عبد الوهاب بن عطاء ضعفه أحمد في " العلل ومعرفة الرجال " (359) رواية المروذي فقال : (( ضعيف الحديث ، مضطرب )) ، وقال عنه النَّسائيُّ في " الضعفاء والمتروكون " (374) : (( ليس بالقوي )) . فبذلك لا تقارن روايته برواية سفيان الثوري ، الجبل في الحفظ والإتقان ، حتى إنَّه ما خالفه ثقة إلا وكان الصواب عند الثوري ، فما بالك إذا ما خالفه ضعيف . إذن فالحديث حديث سفيان .
وقد وردت متابعة لخالد الحذاء على أبي قلابة ، ولكنَّها لا تصح .
فقد أخرجه : البيهقي في " دلائل النبوة " 6/516 من طريق كثير بن يحيى ، قال : حدثنا شريك ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا أقبلوا براياتِ السودِ من عَقِبِ خراسان فأتوها ولو حبواً ، فإنَّ فيها خليفة الله المهديَّ )) .
فقد تابع عليُّ بنُ زيد خالداً الحذاء على روايته ، ولكن هذه المتابعة ضعيفة ؛ لضعف علي بن زيد بن جدعان من جهة ، فقد قال عنه أبو حاتم فيما نقله ابنه عنه في " الجرح والتعديل" 6/241(1021) : (( ليس بالقوي )) ، وقال النَّسائيُّ فيما نقله عنه المزي في " تهذيب الكمال " 5/249(4659) : (( ضعيف )) ، وأورد الذهبيُّ هذا الحديث في "ميزان الاعتدال" 3/127 (5844) وعده من منكرات علي بن زيد ، فقال : (( أراه منكراً )) .
ومن جهة أخرى فقد اختلف على شريك ، فرواه عنه كثير بن يحيى بالإسناد أعلاه ، في حين رواه عنه وكيع عند أحمد 5/277 ومن طريقه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (1445) عن شريك ، عن علي بن زيد ، عن أبي قلابة ، عن ثوبان ، به ، لم يذكر فيه أبا أسماء الرحبيَّ .
فتبين بذلك ضعف هذه المتابعة وعدم فائدتها .
انظر : " إتحاف المهرة " 3/53 (2513) .
وقد جاء هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
أخرجه : نعيم بن حماد في " الفتن " (852) ، وابن ماجه (4082) ، والعقيلي في " الضعفاء الكبير " 4/381 ، وابن عدي في " الكامل " 9/164 من طريق يزيد بن أبي زياد ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : بينما نحنُ عندَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبلَ فتيةٌ منْ بني هاشم ، فلما رآهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم اغرورقتْ عيناهُ ، وتغيرَ لونهُ قالَ : قلتُ : ما نزالُ(9) نرى في وجهكَ شيئاً نكرهُهُ ؟ فقال : (( إنَّا أهلُ بيتٍ اختارَ اللهُ لنا الآخرةَ على الدنيا ، وإنَّ أهلَ بَيْتي سيلقونَ بعدي بلاءً ، وتشريداً ، وتطريداً ، حتى يأتي قومٌ منْ قَبِلِ المشرقِ معهم راياتٌ سودٌ ، فَيَسألونَ الخيرَ ، فلا يُعطونَهُ ، فَيُقاتِلونَ فَيُنصَرونَ فَيُعطونَ ما سَألوا ، فلا يَقبلونَهُ ، حتّى يَدفعوها إلى رجلٍ منْ أهلِ بيتي فيملؤها قِسْطاً ، كما ملؤوها جَوْراً ، فمنْ أدرك ذلك مِنكم ، فليأتهم ولو حَبْواً على الثلج ))(10) .
وهذا إسناد ضعيف ؛ فيه يزيد بن أبي زياد الكوفي مولى بني هاشم ، قال الذهبي في " ميزان الاعتدال " 4/423 (9695) : (( قال يحيى : ليس بالقوي ، وقال أيضاً : لا يحتج به ، وقال ابن المبارك : ارم به )) ، وقال : (( وقال وكيع : يزيد بن أبي زياد ، عن إبراهيم عن علقمة ، عن عبد الله – يعني : حديث الرايات – ليس بشيء )) ، وأخرج العقيليُّ في "الضعفاء الكبير " 4/381 قال : حدثنا محمد بن حفص الجوزجاني ، قال : سمعت أبا قدامة يقول : سمعت أبا أسامة : (( في حديث يزيد بن أبي زياد ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله في الرايات السود ، فقال : لو حلف عندي خمسين يميناً قسامة ما صدقته ، أهذا مذهب إبراهيم ! أهذا مذهب علقمة ! أهذا مذهب عبد الله !؟ )) .
وقد توبع يزيد على روايته إذ أخرج الحاكم 4/464 من طريق حنان(11) بن سدير ، عن عمرو بن قيس الملائي ، عن الحكم بن عتيبة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، به .
وهذه متابعة لا يفرح بها إذ إنَّ فيها حنان بن سدير ، قال عنه الدارقطني في " العلل " 5/184 : (( من شيوخ الشيعة )) ، وقال الذهبيُّ في " تلخيص المستدرك " 4/464 : (( هذا موضوع )) .
زيادة على ضعف حنان ، فقد اضطرب في رواية الحديث ، فرواه بالإسناد السالف ورواه مرةً أخرى عند الحاكم 4/464 عن عمرو بن قيس ، عن الحكم ، عن إبراهيم ، عن علقمة وعبيدة السَّلْماني ( مقرونين ) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، به . فقرن مع علقمة عبيدة السلماني .
ورواه عند ابن الجوزي في " الموضوعات " (854) ط. أضواء السلف و 2/38-39ط.الفكر عن عمرو بن قيس ، عن الحسن ، عن عبيدة ، عن عبد الله ، به .
قال ابن الجوزي عقبه : (( هذا الحديث لا أصل له ، ولا يعلم أنَّ الحسن سمع من عبيدة ، ولا أنَّ عمراً سمع من الحسن )) .
وقد روي الحديث من طريق الحكم بن عتيبة من غير طريق حنان .
فأخرجه : ابن عدي في " الكامل " 5/378 من طريق عبد الله بن داهر بن يحيى الرازي قال : حدثني أبي ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم بن عتيبة ، عن إبراهيم ، عن علقمة والأسود ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، به .
وهذا إسناد ضعيف ؛ فيه عبد الله بن داهر ، قال عنه أحمد ويحيى فيما نقله الذهبيُّ في " ميزان الاعتدال " 2/416 (4295) : (( ليس بشيء ، قال : وما يكتب حديثه إنسان فيه خير )) ، وقال العقيلي في " الضعفاء الكبير " 2/250 : (( رافضيٌّ خبيثٌ )) ، وقال الذهبيُّ في "ميزان الاعتدال " 2/492 (4561) : (( وقد مر أنَّه واهٍ )) .
وأبوه محمد بن يحيى الرازي الملقب بداهر ، قال عنه العقيلي في " الضعفاء الكبير " 2/46 : (( كان ممن يغلو في الرفض ، لا يتابع على حديثه )) ، وقال الذهبيُّ في "ميزان الاعتدال" 2/3 (2587) : (( رافضيٌّ بغيضٌّ ، لا يتابع على بلاياه )) .
وانظر : " إتحاف المهرة " 10/392 (13007) .
.............................. ......
(1 ) لفظ ابن ماجه .
(2 ) وهو : : (( صدوق )) التقريب ( 1319) .
(3) هذه العبارة مما اعتاد على ذكرها بعض المحدّثين ، وهي من الأخطاء الشائعة ؛ إذ إن سكوت الذهبي عن رد ما ورد في " المستدرك " من كلام الحاكم لا يعني أنه يوافقه على حكمه أبداً . وليس هنا مجال البحث والتفصيل في هذه المسألة .
(4) ذكر ذلك في كتابه " الفتن والملاحم " 1/31 .
(5) مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه 4/203-204 .
(6 ) فتح الباري 12/135 قبيل (6803) .
(7) أخرج أبو داود في " سننه " (2367) حديثاً من طريق شيبان قال : أخبرني أبو قلابة : أن أبا أسماء الرحبي حدثه : أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره 000 )) وفي هذا الإسناد التصريح بالسماع من أبي قلابة ، عن أبي أسماء مما يعني أنه لقيه وسمع منه .
(8 ) 8/11 (2568) (39) (40) ، و 8/170 (2889) (19) .
(9 ) تحرف في مطبوع " الفتن " إلى : (( نزل )) .
(10) هذه رواية ابن ماجه ، وزِيْدَ في رواية نعيم بن حماد في آخره : (( فإنه المهدي )) .
(11 ) في المطبوع من مستدرك الحاكم : (( حبان )) وهو تصحيف . انظر : "الجرح والتعديل " 3/300 (1331) .