" الحمد لله " :
حَدِيْث بقية بن الوليد، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، عن سالم ، عن ابن عمر مرفوعاً : ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة أو غيرها، فَقَدْ أدرك الصلاة)) . قَالَ أبو بكر بن أبي داود : ((لَمْ يروه عن يونس إلا بقية)) .
أقول: بقية مدلس ممن اشتهر بتدليس التسوية ، أخطأ في هَذَا الْحَدِيْث من وجهين:
الأول:
إنه جعل الْحَدِيْث من رِوَايَة الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، ورواه الجمع الغفير من أصحاب الزهري عَنْهُ، عن أبي سلمة بن عَبْد الرحمان ، عن أبي هُرَيْرَة، مرفوعاً، وهم:
1. مالك بن أنس، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ:
يحيى بن يحيى الليثي .
أبو مصعب الزهري .
سويد بن سعيد .
يحيى بن قزعة .
قتيبة بن سعيد .
عَبْد الله بن المبارك .
عَبْد الله بن وهب .
الأوزاعي .
ابن جريج .
قرة بن عَبْد الرحمان .
معمر بن راشد .
يزيد بن الهاد .
النرسي ، وخالد بن مرداس .
ورواه ابن ثوبان ، عن الزهري ومكحول مقرونين، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَة، بِهِ . كرواية الأكثرين.
الثاني:
أنه أخطأ في متن الْحَدِيْث فرواه بلفظ: ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة أو غيرها، فَقَدْ أدرك الصلاة)) .
ولفظ الْحَدِيْث في رِوَايَة الجمع: ((من أدرك ركعة من الصلاة فَقَدْ أدرك الصَّلاَة)) أو نحوه لا ذكر في شيء من ألفاظه للجمعة، فتبين أنها من وهم بقية، يؤيده:
كَانَ مذهب الزهري حمل هَذَا الْحَدِيْث المطلق عَلَى صلاة الجمعة، فيرى أنّ من أدرك من الجمعة ركعة فَقَدْ أدركها، ورواه عَنْهُ البخاري في القراءة خلف الإمام بلفظ: ((ونرى لما بلغنا عن رَسُوْل الله- صلى الله عليه وسلم - أنه من أدرك من الجمعة ركعة واحدة فَقَدْ أدرك)) . ومما يدل عَلَى أنّ لا ذكر للفظ الجمعة في حَدِيْث الزهري هَذَا، أن البيهقي بَعْدَ أن رَوَى الْحَدِيْث من طريق معمر عن الزهري، نقل قَوْل الزهري عقبه: ((والجمعة من الصلاة)) . وعقَّب عَلَيْهِ فَقَالَ: ((هَذَا هُوَ الصَّحِيْح، وَهُوَ رِوَايَة الجماعة عن الزهري، وفي رِوَايَة معمر دلالة عَلَى أنّ لفظ الْحَدِيْث في الصلاة مطلق، وأنها بعمومها تتناول الجمعة كَمَا تتناول غيرها من الصلوات)) .
ومن هَذَا يتبين وهم بقية إسناداً ومتناً، وَقَدْ نص عَلَى هَذَا الإمام أبو حاتم الرازي، إِذْ سأله ابنه فَقَالَ: ((سألت أبي عن حَدِيْث رَوَاهُ بقية، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر ، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((من أدرك ركعة من الجمعة وغيرها فَقَدْ أدرك الصلاة. فسمعت أبي يقول: هَذَا خطأ إنما هُوَ الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَة، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -)) .
وَقَالَ الحافظ ابن حجر: ((إن سَلِمَ من وهم بقية، ففيه تدليسه التسوية؛ لأنه عنعن لشيخه)) .
وَقَالَ ابن أبي حاتم أَيْضاً: ((سألت أبي عن حَدِيْث رَوَاهُ بقية، عن يونس، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((من أدرك ركعة من ، وعطاء ، وطاووس ، ومكحول . وحجتهم: أن الإجماع منعقد عَلَى أن الإمام لَوْ لَمْ يخطب بالناس لَمْ يُصلوا إلا أربعاً، فدل ذَلِكَ عَلَى أن الخطبة جزء من الصلاة . وهذا الرأي مخالف لصريح السنة كَمَا يأتي.
الثاني: من أدرك الإمام يوم الجمعة في أي جزء من صلاته صلى مَعَهُ ما أدرك وأكمل الجمعة فإنه أدركها، حَتَّى وإن أدركه في التشهد أَوْ سجود السهو . وإليه ذهب أبو حَنِيْفَة وأبو يوسف ، وسعيد بن المسيب ، والأسود بن يزيد ، والحسن البصري ، وعروة ، واستدلوا عَلَى هَذَا بما ورد في بعض طرق هَذَا الْحَدِيْث: ((من صلاة الجمعة)) ، وَقَدْ تبين عدم صحة هَذِهِ الزيادة فِيْمَا مضى، عَلَى أن لَهُمْ أدلة تفصيلية أخرى سوى هَذَا ترجّح ما ذهبوا إِلَيْهِ.
المحدث العلامة
ماهر ياسين الفحل
انتهى البحث
*******