حارث ماهر ياسين
عدد المساهمات : 14 تاريخ التسجيل : 28/02/2011 العمر : 31
| موضوع: دراسات تفسيرية (الحلقة الأولى) للدكتور ماهر الفحل السبت مارس 12, 2011 11:38 am | |
| وقد تأتي المعارضة في متن بحيث تعارض الكتاب والسنة والإجماع والمعقول ، فيردها الناظر لأول نظرة ، وبعد الفحص في اختلاف الأسانيد يجد الدليل العملي لرد تلك الرواية المعارضة ، مثاله : روى شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال : (( الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن ))(1). قال : سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم ، وآدم كآدمكم ، ونوح كنوح ، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى . أخرجه : الحاكم 2/493 ، ومن طريقه البيهقي في "الأسماء والصفات " (831) به . قال الحاكم عقبه : (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) ، ومما يقوي هذا الحديث أيضاً ما نقله المزي في " تهذيب الكمال " 3/385 ( 2722 ) عن وكيع أنَّه قال : (( لم يكن أحدٌ أروى عن الكوفيين منْ شريك )) . وعطاء بن السائب كوفيٌّ . وعلى الرغم من كل ما تقدم فإنَّ الحديث معلول لا يصحّ . فأما أولى علله : فإنَّ شريكاً قد تكلم فيه ، فقد نقل المزي في " تهذيب الكمال " 3/385 ( 2722 ) عن يحيى بن معين أنَّه قال فيه : (( شريك صدوق ثقة ، إلا أنَّه إذا خالف ، فغيره أحب إلينا منه )) ، ونقل ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 4/334 (1602) عن أبي زرعة أنَّه قال فيه : (( كان كثير الحديث ، صاحب وهم ، يغلط أحياناً )) ، ونقل الخطيب في " تاريخ بغداد " 9/284 وفي ط.الغرب 10/390 عن يعقوب بن شيبة أنَّه قال فيه : (( ثقة ، صدوق ، صحيح الكتاب ، رديء الحفظ مضطربه )) ولخص ابن حجر القول فيه فقال في " التقريب " ( 2787 ) : (( صدوق يخطئ كثيراً تغير حفظه منذ وُلي القضاء بالكوفة )) . وقد روي الحديث من طريق آخر . فقد أخرجه : الطبري في " تفسيره " (26643) ط. الفكر و 23/78 ط. عالم الكتب ، والحاكم 2/493 ، والبيهقي في " الأسماء والصفات " (832) من طريق شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما – في قوله عز وجل : (( الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن )) قال : في كل أرض مثل إبراهيم عليه السلام ، ونحو ما على الأرض من الخلق ... . قال الإمام أحمد فيما نقله عنه الخلاّل في " علله " كما في " المنتخب " ( 58 ) : (( هذا رواه شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس لا يذكر هذا – يعني : الرواية الأولى – إنَّما يقول : (( يتنـزل العلم والأمر بينهن ))(2) وعطاء بن السائب اختلط ، وأنكر أبو عبد الله الحديث )) . وقال ابن الجوزي في " زاد المسير " 6/300 : (( .. فهذا الحديث تارة يرفع إلى ابن عباس ، وتارة يوقف علي أبي الضحى ، وليس له معنى ، إلا ما حكى أبو سليمان الدمشقي ، قال : سمعت أنَّ معناه أنَّ في كل أرض خلقاً من خلق الله لهم سادة يقوم كبيرهم ومتقدمهم في الخلق مقام آدم فينا ، وتقوم ذريته في السن والقدم كمقام نوح .. )) . وهذا التأويل سائغ لو تبت أما مع نكارته فلا داعي لتلك التأويلات لعدم الجدوى منها . وقال البيهقي في " الأسماء والصفات " عقب (832) : (( إسناد هذا عن ابن عباس – رضي الله عنهما – صحيح ، وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعاً ، والله أعلم )) . ونقل العجلوني في " كشف الخفاء " 1/123 عن السيوطي أنَّه قال : (( هذا من البيهقي في غاية الحسنِ ، فإنَّه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن (3) ؛ لاحتمال صحة الإسناد مع أنَّ في المتن شذوذاً أو علة تمنع صحته )) . أقول : وكلام السيوطي مقتبسٌ من كلام الحافظ ابن حجر . والحديث بكلا الإسنادين منكر ، فالله سبحانه وتعالى أخبرنا في محكم التنـزيل أنه أرسل إبراهيم وعيسى ومحمداً صلواته وسلامه عليهم أجمعين ، ولم تذكر ولا آية من الآيات أن هناك سبعة براهمة أو سبعة محمدين أو غير ذلك ، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه لا نبي بعده ، ولا يدعي النبوة بعده إلا كاذب . ونظرة فاحصة في إعلال الإمام أحمد لمتن هذا الحديث نبين الصحيح من السقيم ، ونبين ما يمكن أن تستسيغه الفطرة الإسلامية مما يضادها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( ) الطلاق : 12 . (2) هذه الرواية لم أقف عليها ، ولكن الذي وقفت عليه أنَّ شعبة رواه بنحو رواية شريك غير أن لشعبة فيه متنين . (3) يرى شيخنا العلاّمة عبد الله السعد أنَّه يلزم من صحة الإسناد صحة المتن ؛ لأنَّ المتن إذا كان فيه شذوذ أو علة ، فيكون سببه من الإسناد أي من أحد رواة الإسناد الذي أخطأ ، فكان الشذوذ أو الإعلال بسببه ، وهذا نظر قويٌّ . وهذه القاعدة التي أصلها الحافظ ابن حجر سار عليها من = = جاء بعده يكون هذا الحديث خير مثال لها ، وذلك أن إسناد الحديث - سيما الثاني منه – في غاية القوة من حيث اتصاله وثقة رجاله ، بل إنَّ إسناد غندر ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة نسخة كبيرة ، وشعبة مكثر جداً عن عمرو بن مرة فهو إسناد صحيح غير أنَّ متنه منكرٌ ليس له من شبهة الصحة إلا الخيال ، وقد استدعيت همتي ، وقلبت فكرتي للغوص في دياجير وغياهب الحديث للوقوف على علة نكارته الرئيسة ، فعدت منه خال الوفاض إلا ما ثبته . | |
|