المحاضرة الخامسة
أقسام الضعيف 22/جمادى الآخرة /1425
تقدم فيما سبق أن أي شرط يفقده الحديث من شروط القبول أمر يجعل الحديث ضعيفاً ، والأحاديث الضعيفة تتنوع بتنوع تلك الشروط غير المتوفرة ، فمن خلال استقراء الأحاديث الضعيفة ، بان لنا واتضح أن الأحاديث الضعيفة على قسمين :
القسم الأول : ماكان سببه عدم الإتصال .
والقسم الثاني : أسباب أخرى .
وسأذكر تفصيل أنواع القسم الأول ، ثم أتكلم عن تفصيل القسم الثاني ، فأقول وبالله التوفيق :
إن الإتصال : هو سماع الحديث لكل راو من الراوي الذي يليه ، فإذا حصل عدم السماع في سند الحديث فيكون ذلك انقطاعاً ، فكل ما فقد الاتصال فهو منقطع ، لكن العلماء فصلوا في هذه الانقطاعات ، ونوعوها على حسب الانقطاع ؛ لتسهيل الاصطلاح ، ولتنويع أنواع الانقطاعات حسب شدة الضعف ، وأول حديث في صحيح البخاري قال فيه الإمام البخاري :
(( حدَّثنا الحميدي (1)، قال : حدَّثنا سفيان(2) ، قال : حدَّثنا يحيى(3) بن سعيد الأنصاري ، قال : أخبرني محمد(4)بن إبراهيم التيمي : أنه سمع علقمة(5)بن وقّاص الليثي يقول : سمعت عمر(6)بن الخطاب على المنبر قال : سمعت رسول الله …)) .
فهذا سند متصل ، فلو فرضنا أن سقطاً في الإسناد حصل ، وسقط أحد الرواة ، فماذا يسمّى هذا النوع من الانقطاع ؟ .
نقول : إذا سقط رقم (1) يسمى الحديث معلّقاً ، وإذا سقط رقم (6) يسمّى الحديث مرسلاً ، وإذا سقط رقم (2) يسمّى الحديث منقطعاً ، وإذا سقط رقم (4 و 5) يسمّى معضلاً ، هكذا نوّع المحدّثون أنواع الانقطاعات ؛ لفوائد يدركها الناقد .
وسأبدأ مفصلاً لكل نوع من أنواع الانقطاعات :
أولاً : المنقطع :
ما سقط من سنده راو واحد ، أو أكثر من واحد لا على التوالي .
مثال ذلك : ما رواه الدارقطني 2/7 من طريق الزهري ، عن أم عبد الله الدوسية ، قالت : سمعت رسول الله يقول : (( الجمعة واجبة على أهل كل قرية ، وإن لم يكونوا إلا ثلاثة ، رابعهم إمامهم )) .
فهذا الحديث منقطع ؛ فإنَّ الزهري لم يسمع من أمّ عبد الله .
وأمّا مثال ماسقط منه رجلان وهو منقطع : ما أخرجه الترمذي في جامعه (739) قال : حدّثنا أحمد بن منيع ، قال : حدّثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا الحجّاج بن أرطاة ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : فقدتُ رسول الله ليلةً ، فخرجتُ فإذا هو بالبقيع ، فقال : (( أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله )) ؟ قلت : يا رسول الله ، إنّي ظننت أنك أتيتَ بعض نسائك ، فقال : (( إنَّ الله عز وجل ينـزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا ، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب )) 0
قال الإمام الترمذي عقب الحديث : (( سمعتُ محمداً يضعف هذا الحديث ، وقال : يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة ، والحجّاج بن أرطاة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير )) .
وقد أضاف بعض العلماء أن الإبهام في الإسناد يسمّى انقطاعاً أيضاً ، مثال ذلك : ما أخرجه أبو داود (3917) قال : (( حدّثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدّثنا وهيب ، عن سهيل ، عن رجل ، عن أبي هريرة : أنَّ رسول الله سمع كلمة فأعجبته ، فقال : (( أخذنا فألك من فيك )) .
والحديث الذي في إسناده رجل مبهم ضعيف عند المحدّثين ؛ لأنّنا اشترطنا في الراوي العدالة والضبط، ونحن لا نعلم هذين الشرطين ؛ لسبب الإبهام ، فضُعف الحديث بسبب ذلك ، فكان وجوده كعدمه ؛ ولهذا سمّاه بعضهم منقطعاً .
وهذا المبهم وما في معناه ربَّما كان ثقةً ، وربَّما كان مجروحاً ، ويرجَّح الأخير ؛ لأنه لو كان ثقة معلوم القدر والمنـزلة ، مقبولاً عند من من سمع بذكره لما أبهمه تلميذه ، ففي تصرفه ما يشعر بكونه ليس بثقة ، ومن خلال استقراء كثير من المبهمات وُجد أغلبها عن ضعفاء ، حتى قال الخطيب البغدادي : (( قلَّ من يروي عن شيخ فلا يسمّيه ، بل يكنّي عنه ، إلاّ لضعفه ، وسوء حاله )) .
وممّا يُعرف به الانقطاع : التنصيص على عدم السماع ، ويقع ذلك من الراوي نفسه ، وهو قليل ، كقول عمر بن مرّة : قلت لأبي عبيدة ( يعني ابن عبد الله بن مسعود ) : تذكر من أبيك شيئاً ؟ قال : لا .
وتارةً بتنصيص من روى عنه من الثقات ، وتارةً بتنصيص الناقد العارف من جهابذة هذا الفنّ ، كما حصل من تصريح البخاري في حديث الترمذي السابق ، وذلك بناءاً على الاستقراء ، والنظر على عدم الإدراك ، أو اللقاء ، أو السماع ، وكذلك يُعرف عدم السماع بتأريخ وفاة الشيخ ، ومولد التلميذ ، فإن كان التلميذ ولد بعد وفاة الشيخ ، أو كان صغيراً في سن لا يحتمل السماع ، فهو انقطاع ، وكذلك يُعرف الانقطاع بوجود قرينة تدل على الانقطاع ، كقول الراوي : حدّثتُ عن فلان ، أو أخبرتُ عن فلان ، وكذلك يُعرف الانقطاع بافتراق بلد الراوي وشيخه ، بما يكون قرينة على عدم التلاقي .
وهذه أمور تُدرك بمراجعة كتب الرجال ، ومنها : مراسيل ابن أبي حاتم ، وجامع التحصيل للعلائي ، وتحفة التحصيل لأبي زرعة العراقي.
و الأصل في الحديث المنقطع : أنه ضعيف عند المحدّثين ؛ لأنه فقد شرط الاتصال ؛ وللجهالة بحال الساقط الذي لم تعرف عدالته ، ولا ضبطه . قال الشوكاني : ( ولا تقوم الحجّة بالحديث المنقطع ، وهو الذي سقط من رواته واحد ممَّن دون الصحابي ؛ وذلك للجهل بحال المحذوف من حيث عدالته وضبطه ؛ لأنَّ ثبوت هذا شرط لقبول الحديث ) .
ثانياً : المعضل :
وهو عبارة عمّا سقط من إسناده اثنان فصاعداً على التوالي ، وهو أسوأ حالاً من المنقطع ، والمنقطع أسوأ حالاً من المرسل ، والمرسل لا تقوم به حجَّة ، كما نصَّ عليه بعض العلماء .
وذلك كرواية مالك ، عن عمر مثلاً ، فمالك لايروي عن عمر إلاّ بينه وبينه راويان : نافع ، عن ابن عمر ، عنه ، أو سالم ، عن ابن عمر ، عنه .
والمعضل : لقب خاص لنوع من المنقطع ، فكل معضل منقطع ، وليس كل منقطع معضلاً .
ويُعرف الإعضال بما سبق ممّا يُعرف به المنقطع ، ويتأكد ذلك بأحد أمرين :
أولاً : التأريخ ، وذلك ببُعد طبقة الراوي ، عن طبقة شيخه .
ثانياً : دلالة السبر لطرق الحديث .