روى عمر بن إبراهيم ، قال : حدثنا قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة في تفسير قوله تعالى : (( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ))(1) عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسم ، قال : (( لما حَمَلَتْ حواءُ طافَ بها إبليسُ ، وكانَ لا يعيشُ لها ولدٌ ، فقال : سمِّيهِ عبدَ الحارثِ فإنَّهُ يعيشُ ، فسمَّوه عبدَ الحارث فعاشَ ، وكانَ ذلكَ منْ وحي الشيطانِ وأمرهِ )) .
أخرجه : أحمد 5/11 ، والترمذي (3077) ، والروياني في " مسند الصحابة " (816) ، والطبري في " تفسيره " (12043) ط. الفكر و10/623 ط. عالم الكتب ، وابن بشران في " الأمالي " كما في " السلسلة الضعيفة " (342) ، والحاكم 2/545 من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث .
وأخرجه : ابن أبي حاتم في " تفسيره " كما في " تفسير ابن كثير " : 809 ، والطبراني في " الكبير " ( 6895 ) ، وابن عدي في " الكامل " 6/87 ، وابن مردويه كما في "تفسير ابن كثير" : 809 من طريق شاذ بن فياض (2) .
كلاهما : ( عبد الصمد ، وشاذ ) عن عمر بن إبراهيم ، بهذا الإسناد .
قال الترمذي : (( هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث
عمر بن إبراهيم ، عن قتادة )) .
قال ابن عدي : (( وهذا لا أعلم يرويه عن قتادة غير عمر بن إبراهيم )) .
وقال الحاكم : (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) .
قلت : بل هذا حديث لا يصح ، فيه أربع علل :
الأولى : تَفرُّدُ عمر بن إبراهيم – وهو العبدي البصري – بروايته هذا الحديث عن قتادة ، وهو ضعيف في قتادة خاصة . قال عنه أحمد بن حنبل في
" الجامع في العلل " 2/123 (1097) : (( له أحاديث مناكير )) ، وقال أبو حاتم في " الجرح والتعديل " لابنه 6/119 ( 509 ) : (( يكتب حديثه ولا يحتجّ به )) ، وقال ابن حبان في " المجروحين " 2/89 : (( كان ممن يتفرّد عن قتادة بما لا يشبه حديثه ، ولا يعجبني الاحتجاج به إذا انفرد )) ، وقال ابن عدي في " الكامل " 6/86 : (( يروي عن قتادة أشياء لا يوافق عليها )) وقال في 6/89 : (( وحديثه عن قتادة خاصة مضطرب )) ، وقال ابن حجر في "التقريب" (4863) : (( صدوق ، في حديثه عن قتادة ضعف )) .
والثانية : أنه معلول بالوقف فقد روي من قول سمرة نفسه ، موقوفاً
عليه .
فأخرجه : الطبري في " تفسيره " (12044) ط. الفكر
و10/623و624 ط. عالم الكتب من طريق سليمان التيمي ، عن أبي العلاء ابن الشخير ، عن سمرة ، قال : سَمَّى آدمُ ابنه عبد الحارث .
والثالثة : أنَّ الحسن لم يسمع من سمرة ، قال شعبة فيما نقله ابن معين في
" تاريخه " ( 4053 ) برواية الدوري ، والكلاباذي في رجال "صحيح البخاري" 1/167 : (( لم يسمع الحسن من سمرة )) ، وقال يحيى بن معين في
" تاريخه " ( 4094 ) برواية الدوري : (( لم يسمع الحسن من سمرة شيئاً )) ، ونقل ابن أبي حاتم في " المراسيل " (96) عن عثمان بن سعيد الدارمي ، قال : قلت ليحيى بن معين : الحسن لقي سمرة ؟ فقال : (( لا )) ونقل في ( 95 ) بإسناده إلى جرير يسأل بهزاً - يعني : ابن أسد - ، عن الحسن : من لقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسم ؟ فقال : سمع من ابن عمر حديثاً . قال جرير : فعلى من اعتماده ؟ قال : على كتب سمرة ... ثم قال بهز : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، قال : (( ما حدثنا الحسن عن أحد من أهل بدر مشافهة )) .
إلا أنَّ علي بن المديني قال في " علل الحديث ومعرفة الرجال " : 64
: (( والحسن قد سمع من سمرة ؛ لأنَّه كان في عهد عثمان ابن أربعةَ عشرةَ(3) وأَشْهُرٍ ، ومات سمرة في عهد زياد )) .
والثابت أنه سمع من سمرة حديثاً واحداً هو حديث العقيقة (4) .
والرابعة : أنَّ الحسن نفسه قد فسّر الآية بغير هذا المعنى فأخرج الطبري في " تفسيره " ( 12054 ) ط. الفكر و 10/629 ط. عالم الكتب من طريق سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الحسن ، قال : كان هذا في بعض أهل
الملل ، ولم يكن بآدم .
وأخرج : عبد الرزاق في " تفسيره " (969) ، والطبري في " تفسيره " (12055) ط. الفكر و10/629 ط. عالم الكتب من طريق محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، قال : عني بهذا ذرية آدم ومن أشرك منهم بعده .
وأخرج : الطبري في " تفسيره " ( 12056 ) ط. الفكر و 10/629 ط. عالم الكتب ، وابن أبي حاتم في " تفسيره " 5/1634 ( 8659 ) من طريق سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن يقول : هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولاداً فهوّدوا ونصّروا .
وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 3/279 وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر .
قال ابن كثير في " تفسيره " : 809 : (( وهذه أسانيد صحيحة ، عن الحسن – رحمه الله – أنَّه فسر الآية بذلك وهو من أحسن التفاسير ، وأولى ما حملت عليه الآية ، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظاً عن رسول الله صلى الله عليه وسم لما عدل عنه هو ولا غيره ، لا سيما مع تقواه لله وورعه ، فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي ، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب ، من آمن منهم مثل كعب أو وهب بن منبه وغيرهما ... إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع ، والله أعلم )) .
وقال الذهبي في " ميزان الاعتدال " 3/179 (6042) : (( صححه الحاكم ، وهو حديث منكر )) .
قال المباركفوري في " تحفة الأحوذي " 8/461-462 : (( حديث سمرة المذكور هنا في تفسير قوله تعالى : (( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ))(5) . قال صاحب فتح البيان : قد استشكل هذه الآية جمع من أهل العلم ؛ لأنَّ ظاهرها صريح في وقوع الإشراك من آدم عليه السلام ، والأنبياء معصومون عن الشرك ثم اضطروا إلى التفصي من هذا الإشكال ، فذهب كل إلى مذهب ، واختلفت أقوالهم في تأويلها اختلافاً كثيراً حتى أنكر هذه القصة جماعة من المفسرين منهم الرازي وأبو السعود وغيرهما . وقال الحسن : هذا في الكفار يدعون الله ، فإذا آتاهما صالحاً هودوا أو نصروا . وقال ابن كَيْسان : هم الكفار سموا أولادهم بعبد العزى وعبد الشمس وعبد الدار ونحو ذلك ... قلت : لو كان حديث سمرة المذكور صحيحاً ثابتاً صالحاً للاحتجاج لكان كلام صاحب " فتح البيان " هذا حسناً جيداً ، ولكنك قد عرفت أنَّه حديث معلول لا يصلح للاحتجاج ، فلا بد لدفع الإشكال المذكور أنْ يختار من هذه الأقوال التي ذكروها في تأويل الآية ما هو الأصح والأقوى ، وأصحها عندي هو ما اختاره الرازي وابن جرير وابن كثير )) . انتهى كلام المباركفوري.
وقد أجاد في نقده صاحب كتاب " فتح البيان " فالحديث معلول بعدة علل فلا داعي للاستشكال .
وانظر : "تحفة الأشراف" 3/593 (4604) ، و "جامع المسانيد"5/537( 3849 ) ، و" أطراف المسند " 2/529 (2755) ،
و " إتحاف المهرة " 6/47(6105) ، و" السلسلة الضعيفة " (342) .
.............................. .............................. .............................
([1]) الأعراف : 190 .
(2) عند ابن أبي حاتم : (( هلال بن فياض )) ، وقال ابن كثير في " تفسيره " : 809 : (( وشاذ هذا هو هلال وشاذ لقبه )) . وانظر : " تهذيب الكمال " 3/357 ( 2667 ) .
(3) هكذا في المطبوع .
(4) قال البخاري في " صحيحه " 7/109 عقب ( 5472 ) : (( حدثني عبد الله بن أبي الأسود ، قال : حدثنا قريش بن أنس ، عن حبيب الشهيد ، قال : أمرني ابن سيرين أنْ أسأل الحسن ممن سمع حديث العقيقة ، فسألته فقال : من سمرة بن جندب )) إلا أنه لم يذكر حديث العقيقة في الصحيح ، وأضاف المزي في " تهذيب الكمال " 2/121(1200) : (( فقال لي - أي ابن
سيرين - : لم يسمع الحسن من سمرة ، قال : فقلت : على من يطعن ، على قريش بن أنس ؟ على حبيب الشهيد ؟ فسكت )) .
(5) الأعراف : 189-190 .